الأحد، 27 مايو 2007

أحلم بجزيرة


أحلم بجزيرة مساحتها بيت وحديقة ، وبعض التفاح والبرتقال والزيتون ولا مانع من طيبات أخرى، وشجرة بلوط ،وإن أمكن فقارب وصنارة ، وكثير من السمك في الجوار

جزيرة في اي مكان ، في ارض الله واسعة ، من حقي أن يكون لي مكان لكن ليس أي مكان، اقيم عليه "عزوتي" بلا دستور ولا قوانين ولا فساد ولا قرف، من حقي ان اجلس تحت شجرة البلوط لأتأمل بخلق السموات والارض ، بسلام وسكينة ، من حق الله علي أن اعبده كيفما هو شاء، بلا مخبر تافه يملي علي صلاتي

جزيرة نائية ، وبيت خشبي ، بلوطي ، لا فرق ، المهم أن يكون بلا كهرباء ولا تلفاز ولا راديو وبلا علم أو نشيد وطني ، والأهم أن يكون بلا "أخبار"

يكفيني 15 عشر عاما وأنا الاحق الموت من مكان الى مكان ، أصبحت "كالحانوتي" ، فأنا بلا أموات اصبح "عاطلا" عن العمل . صادقت الموت في كل بلاد الدنيا ، فهو مصدر اخباري ورزقي ، ضحاياه ارقام في خبر أو صورة ، لدرجة أن صديقا عزيزا علي توفاه الله قبل سنة تذكرت أن أبكي عليه أمس ، بكيت لأن رأيت اسمه بالصدفة ضمن دليل هاتفي ، لم يطل بكائي طويلا ، وعندما تذكرت أني بكيت "فرحت" ، فرحت لأن الموت أصبح يبكيني، شعرت بأدميتي

أحلم أن اركب قاربي وأصطحب عائلتي وصنارتي في رحلة صيد نجمع رزقنا في بحار الله، يكفيني استرزاقا من مصائب البشر ، فالكوارث عندي أخبار ، والفتن عندي تقارير ، والمؤامرات عندي تحليل ، وضياع وطن بأكمله عندي تغطية إخبارية ، والجوع عندي صورة ، وذبح الناس في فلسطين والعراق وأفغانستان بالنسبة لي أعداد أدمت على إحصائها

أريد جزيرة بالا هوية وبلا بوليس ولا مخابرات ولا جيش ، أريد جزيرة لا يحكمها أحد متكرش ولا متنفع ولا ديوث، جزيرة لا يرث فيها سوى "أحد أحد" ، أريد بقعة جميلة فيها سطر الله فيها اروع صوره، لا يلوثها رنين هاتف جوال أو أرضي ، ولا يعكر سحرها رسالة قصيرة عن "أنباء عاجلة"

أحلم بهواء نقي أتنفسة كما أشاء ، صباح مساء ، بلا ضرائب وبدون رقيب خسيس يكتم أنفاسي . أحلم بماء عذب ، بلا تكرير ولا عبوات بلاستيكية ، ولا ثمن ، ذلك الماء الذي قال عنه الله عز وجل "وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ ..."، نعم هو من حقي ومن حقي أن أحلم به ، وذلك اضعف الإيمان

من حق اولادي أن يحلموا بحديقة فيها ما لذ وطاب ،بلا هورمونات ولا مبيدات ، من حقي أن استلقي يوما تحت شجرة تفاح وأمارس هواية نيوتن بمداعبة الجاذبية ، أو أقطف من ثمرها ما شاء الله ، وأعبىء سلتي بطيبها ونأكل منها بدون غسل ، على طبيعتها ، بلا إحتياطات صحية ، وبلا سموم قريبة المدى أو بعيدة الأجل

أحلم بسماء زرقاء كالون بحر جزيرتي ، لا تلوثه طائرات مدنية ولا مقاتلات بشعة ، ولا حتى طائرات ورقية ، وبلا "أوزون" مثقوب ، ولا دخان وعوادم سيارات ، سماء تحلق فيها أسراب الطيور والنورس، وكلما نظرت إليها قلت "... ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار"

وسأشكل في جزيرتي سمفونية تعزف لحنا عذبا يغذي الروح ، سأمت الطرب على صوت الرصاص وقصف المدن و الصراخ والبكاء وعويل النساء الثكلى . هناك، على جزيرتي لن تلوث أذني بنهيق مرتزقة فضائيات النفط. هناك على جزيرتي لا مكان لصناعة "تخنيث" الأجيال

أحلم بجزيرة لا تقتل قمامتها أزهار الياسمين، أحلم بجزيرة تسمح لي بأن أحلم وأحلم ... لكن وسواسا يروادني عن نفسي الأن ويوقضني من حلمي ، يهمس بخبث في اذني:"أنت أدمنت الأخبار وفات الأوان".