الجمعة، 13 يوليو 2007

الى سارق حذائي

يا سيدي لم احزن لأنك سرقت حذائي وجعلتني ارجع الى بيتي ب"شبشب" تصدق علي به بعض المحسنين في "مسجد الرحمن" ، لكني حزنت اشد الحزن لأن يوم سرقتك لحذائي جاء في نفس يوم مناسبتين عزيزتين ، الأولى هي ذكرى انتصار حزب الله على عربدة اسرائيل والثانية هي يوم احتفال صديقي الغالي عبد العزيز وقرينته بإسبوع مولودتهم الجميلة "ملك" وكنت للتو مغادر أنا ورفيقي عصام حفلهم الميمون وقررنا أن نعرج على المسجد لأداء صلاة المغرب

لك الشرف يا سيدي أنك أول إنسان في هذه المعمورة يسرق حذاءا مني "على غفلة" بعد 39 سنة من العمر ، اعترف أنك فنان وأعترف ايضا أنك صاحب "ذوق رفيع" ، لكني ، واسمح لي بذلك ، أعترف أمام التاريخ وقدام شموخ أبو الهول أنك مبتذل ومريض وإني على يقين أنك "سوسة تافهة" في جسد طيب جميل

علمت أنك سرقت حذائي مباشرة بعد أن اكملت وضوئي ، لأني نظرت الى مكانه صدفة ولم اجده ، ولتعلم أني صليت وأنا مبتسم ضارع الى الله ، وكأن حالي يقول "الحمد لله ... كفارة" ... الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه

لعلك ظننت أن من حقك أن تسرق حذاءا "يبدو" أن صاحبه "برجوازي عفن" ويملك أن يشتري مثله وأحسن ، اقول لك أخطأت فصاحبه اشتراه من عرق جبينه وكلفه ثمنا لا بأس به، وكلفه ايضا جهدا مضنيا لإختياره، فصاحبه يرتاح به لأنه يمضي وقتا طويلا جدا في عمله ليكسب قوته

بعملتك تلك (التي استغرقت ثواني معدوده) كلفتني ثمن يوم ونصف من العمل ، يومي يا سيدي قد يستغرق احيانا 12 الساعة من عمل ، معضمها مشيا ومتابعة ... لذلك كان ذلك الحذاء عزيزا ، لأنه كان مريحا وودودا مع قدمي

نعم، اخاطب ضميرك ... لعلك تدرك أن الناس "يقدرون" اشيائهم ، حتى لو كانت احذية

يا سارقي ، اسوأ ما عملته هو أنك أضفت هما أخر على هموم ومشاغل حياتي وهو هم المحافظة على حذائي وأنا متوجه لبيت من بيوت الله لأداء الفريضة

في المرة القادمة سأحرص أن أوزع حذائي بين مكانين حتى احرمك من متعة الاستيلاء على ممتلكات الاخرين.
أخيرا وليس أخرا ... إن كان حذائي لإستخدامك الشخصي لأنك لا تملك واحدا أو إن كان ثمنه يسد "حاجة مفيدة" فقد سامحتك ... ومبروك ... لكن إن كان لغير ذلك فلك أن تقدر حجم اللعنة

وفي النهاية لا يسعني إلا أن اشكر كل القائمين على "مسجد الرحمن" في منطقة امبابة وكذلك المصلين الذين ابدوا كرما اثلج صدري وهون مصابي ، تلك هي شيم أهل المحروسة كما عهدتهم خلال فترة اقامتي معهم ، وجزيل الشكر ايضا لحارس المسجد الذي اصر على أن لا اغادر المسجد حافي القدمين ومنحني نعالا

الأربعاء، 11 يوليو 2007

دروشة في عتمة الليل


اعاني كل ما دخلت شقتي مما يُسمى في علم النفس بـ "رُهاب الاحتجاز"، وهو شعور حقير يصيب الانسان عندما يكون وحيدا فيتلبسه إحساس بأنه مخنوق ومتروك ومنبوذ. فكلما وصلت البيت ابدل ملابس العمل بملابس اكثر ملائمة لأدميتي وأنطلق في اي طريق، لا يهم، المهم أن امارس هوايتي بالمشي أو الجري ... او حتى التسكع. رغم أن شقتي "شرحة" أو كما تسمى بالمصري "بحري" الا اني حرصت منذ الاقامة هنا على عدم الجلوس ليلاً على البلكونه حفاظا على خصوصية البشر ... لكن فضولا انتابني بالأمس لأن اجرب الجلوس في البلكونة ... فضولا فرضه علي ألم اصاب احدى اجهزتي السمعية وأجبرني على الجلوس في البيت


فجهزت لجلسة شاعرية مع نفسي وأحضرت معي راديو صغير اهدتني اياه زوجتي الحبيبة فبل مجيئي الى القاهرة ... و بعض القهوة و"التسالي" لتكمل السهرة ... وأخذت زاوية في البلكونة... وساعدني أن كل البيوت التي حولي بعيدة عني ... فلا كاشف ولا مكشوف ... وبدأت اقلب "الترانزستر" واستقرت الموجة على رائعة أم كلثوم "أغداً ألقاك؟" ... وبدأت السهرة بمتابعة ما يستجد في العتمة من مجريات... نباح لكلاب تأتي من العمق لتساهم في أن يكون الليل بالفعل ليلا... وصوت غرغرة ماء قادم من نرجيلة جاري "الطبيب" في الشقة السفلى ليضيف لحنا جميلا لصوت سيدة الغناء ، وفي الأفق البعيد بناية منارة بالكامل تلمع لتضفي نوعا من من الجمال على عتمة الليل. صار هذا يؤنسني. وفجأه بدأت اسمع صوت طنين يحوم حولي ، اختفى الصوت ، أين ذهب؟؟ ... نعم هي بعوضة اخذت قوتها مني وانصرفت ... جميل جدا أن يهتم بك مخلوق وأنت تجلس وحيدا في عتمة الليل


بين الفينة والفينة تمر بعض السيارات تشق عتمة الليل وتلوث سكونه بزخات من نهيقها ... لماذا يطلقون تلك الأبواق في منتصف الليل؟؟ لعل سائق تلك المركبة يحاول ان يجلب الإنتباه ... ليس من أجل رزقه فقط ... بل من أجل وجوده كإنسان


اوشحت بنظري حولي ... بدأت اتأمل كل هذه البنايات الشاهقة التي اجزم انها مكتظة ... لماذا نعيش في علب سردين كهذه وبلاد الله واسعة؟ بنايات متلاسقة كأن الواحدة تنافس الأخرى على حجب السماء والهواء... ومع كل هذا الإزدحام من الإسمنت إلا انك تشعر وكأن الناس موتى ... هدوووووء ... الا يوجد طفل يبكي؟ اليس هناك حشاش يسعل؟ اقبل بسماع صوت طبق لاقط يتحرك باحثا عن فضائية ساقطة!! أو حتى صوت صوت صرصور ... لطالما ارتبطت عتمة الليل بصوت نوع من الصراصير ... أين ذهبت الصراصير؟!! لقد أوشك الصيف أن ينقضي ... ومع هذا لم أرىَ للآن أي صرصور


ومن اعلى البنايات في الجوار كان هناك القمر يطلع على استحياء كعادته ... لعله ما زال يشعر بالخجل لأن احدهم اكتشف حقيقته وبأنه خدع الشعراء والعشاق ... فقد كان يوما الاه الحب والجمال ... الى أن اتى عالم شاذ قرر أن القمر بشع ولا حياة له ... مقفهر وقبيح ... لم يكن يعلم هذا "العالم" المتقوقع في مختبره أن تلك المعلومة دمرت تاريخا من العشق والغزل ... ماذا استفادت البشرية من معلومته التافهة ... ها هي أم كلثوم تصدح " هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر ...فارحم القلب الذى يصبو إليك"... كم هو غبي ذلك العالم


وتكمل الست


فغداً تملكه بين يديك
وغداً تأتلق الجنة أنهارا وظلا
وغدا ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولى
وغداً نسموا فلا نعرف للغيب محلا
وغداً للحاضر الزاهر نحيا ليس إلا
قد يكون الغيب حلوا
إنما الحاضر أحلى
هكذا أحتمل العمر نعيماً وعذابا
مهجة حرى وقلباً مسه الشوق فذابَ
اغدا القاك؟


ما أجمل الليل... وسكون الليل ... وقهوة الليل ... وغررة نرجيلة جاري ... وما اتعس الوحدة