الأربعاء، 11 يوليو 2007

دروشة في عتمة الليل


اعاني كل ما دخلت شقتي مما يُسمى في علم النفس بـ "رُهاب الاحتجاز"، وهو شعور حقير يصيب الانسان عندما يكون وحيدا فيتلبسه إحساس بأنه مخنوق ومتروك ومنبوذ. فكلما وصلت البيت ابدل ملابس العمل بملابس اكثر ملائمة لأدميتي وأنطلق في اي طريق، لا يهم، المهم أن امارس هوايتي بالمشي أو الجري ... او حتى التسكع. رغم أن شقتي "شرحة" أو كما تسمى بالمصري "بحري" الا اني حرصت منذ الاقامة هنا على عدم الجلوس ليلاً على البلكونه حفاظا على خصوصية البشر ... لكن فضولا انتابني بالأمس لأن اجرب الجلوس في البلكونة ... فضولا فرضه علي ألم اصاب احدى اجهزتي السمعية وأجبرني على الجلوس في البيت


فجهزت لجلسة شاعرية مع نفسي وأحضرت معي راديو صغير اهدتني اياه زوجتي الحبيبة فبل مجيئي الى القاهرة ... و بعض القهوة و"التسالي" لتكمل السهرة ... وأخذت زاوية في البلكونة... وساعدني أن كل البيوت التي حولي بعيدة عني ... فلا كاشف ولا مكشوف ... وبدأت اقلب "الترانزستر" واستقرت الموجة على رائعة أم كلثوم "أغداً ألقاك؟" ... وبدأت السهرة بمتابعة ما يستجد في العتمة من مجريات... نباح لكلاب تأتي من العمق لتساهم في أن يكون الليل بالفعل ليلا... وصوت غرغرة ماء قادم من نرجيلة جاري "الطبيب" في الشقة السفلى ليضيف لحنا جميلا لصوت سيدة الغناء ، وفي الأفق البعيد بناية منارة بالكامل تلمع لتضفي نوعا من من الجمال على عتمة الليل. صار هذا يؤنسني. وفجأه بدأت اسمع صوت طنين يحوم حولي ، اختفى الصوت ، أين ذهب؟؟ ... نعم هي بعوضة اخذت قوتها مني وانصرفت ... جميل جدا أن يهتم بك مخلوق وأنت تجلس وحيدا في عتمة الليل


بين الفينة والفينة تمر بعض السيارات تشق عتمة الليل وتلوث سكونه بزخات من نهيقها ... لماذا يطلقون تلك الأبواق في منتصف الليل؟؟ لعل سائق تلك المركبة يحاول ان يجلب الإنتباه ... ليس من أجل رزقه فقط ... بل من أجل وجوده كإنسان


اوشحت بنظري حولي ... بدأت اتأمل كل هذه البنايات الشاهقة التي اجزم انها مكتظة ... لماذا نعيش في علب سردين كهذه وبلاد الله واسعة؟ بنايات متلاسقة كأن الواحدة تنافس الأخرى على حجب السماء والهواء... ومع كل هذا الإزدحام من الإسمنت إلا انك تشعر وكأن الناس موتى ... هدوووووء ... الا يوجد طفل يبكي؟ اليس هناك حشاش يسعل؟ اقبل بسماع صوت طبق لاقط يتحرك باحثا عن فضائية ساقطة!! أو حتى صوت صوت صرصور ... لطالما ارتبطت عتمة الليل بصوت نوع من الصراصير ... أين ذهبت الصراصير؟!! لقد أوشك الصيف أن ينقضي ... ومع هذا لم أرىَ للآن أي صرصور


ومن اعلى البنايات في الجوار كان هناك القمر يطلع على استحياء كعادته ... لعله ما زال يشعر بالخجل لأن احدهم اكتشف حقيقته وبأنه خدع الشعراء والعشاق ... فقد كان يوما الاه الحب والجمال ... الى أن اتى عالم شاذ قرر أن القمر بشع ولا حياة له ... مقفهر وقبيح ... لم يكن يعلم هذا "العالم" المتقوقع في مختبره أن تلك المعلومة دمرت تاريخا من العشق والغزل ... ماذا استفادت البشرية من معلومته التافهة ... ها هي أم كلثوم تصدح " هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر ...فارحم القلب الذى يصبو إليك"... كم هو غبي ذلك العالم


وتكمل الست


فغداً تملكه بين يديك
وغداً تأتلق الجنة أنهارا وظلا
وغدا ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولى
وغداً نسموا فلا نعرف للغيب محلا
وغداً للحاضر الزاهر نحيا ليس إلا
قد يكون الغيب حلوا
إنما الحاضر أحلى
هكذا أحتمل العمر نعيماً وعذابا
مهجة حرى وقلباً مسه الشوق فذابَ
اغدا القاك؟


ما أجمل الليل... وسكون الليل ... وقهوة الليل ... وغررة نرجيلة جاري ... وما اتعس الوحدة

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

قيل قديماً أن الليل يحول العرب قديسين في محراب الحب...

فكم يجعل الليل الإنسان أكثر إحساساً وشاعرية ..

في الليل تتداعي امامي قصص الحب العذري، أو لنقل الحب البدوي ..
فكم من حبيب تسلل في الليل ليختلس نظره أو كلمة من حبيبته.

ولعل هذه الكلمات تعبر عن إحساسي بالليل، في سهرة لنقل عنها بدوية احتضنتها الصحراء ..

ذالك العشق البدوي في الليل هو عشق كل عاشق ومحب ..

عشق كل من يملك الإحساس المرهف

وبينما كنت بأحضان تلك الساحة الظلماء، في ليلة الدجى

وأمامي تلك النار المتوهجة الملتهبة بحرارتها..

كحرارة شوق العاشق الولهان..

ومن فوقي ذالك القمر الساطع يلوح بنوره بالفضاء الواسع، وبينما كنت جالساً حدقت بناظري بذلك اللهب المشع بحمرته، وذلك الجمر المشع بنوره المتوهج.

مازال ذلك الجمر يروي عشقه

من تلك النار المشتعلة

نعم لم يتحول إلى رماد

نعم ذلك الجمر المشع سحرني بمنظره الخلاب الصارخ ..

وحرارته الشديدة

شدتني اليه وكأنه يناديني

ويدعوني أن أحاوره ويقول تعال ...

تعال معي لنذهب

((أنا وأنت))

إلي عالمك المجهول ....

إلى عالمك المليء بالألم والحزن

فأجبته بخوف ((لا)).........

لا أريد فحرارتك تزيد من احتراقي

نعم احترق فؤادي من الهجر والبعاد

ولا أريد أن أكون كالرماد

أريد أن أبقى.... أريد أن أبقى ......

فنظر إلي وابتسم وقال اذهب ولكن سوف تعود...

نعم امتلأت عيناي بالدموع

الآهات أتعبت أنفاسي

ذهبت بنظري بعيدا عن تلك اللهب ...

ذهب إلى الأعلى علني ابتلع حسرتي وألمي

رفعت براسي وإذا بالقمر وكأنه يتبسم بنوره ...

وكأنه يبعث في نفسي الأمل بالحياة

(((وفجأة)))

وأقل من اللحظة وإذا بي انظر إلي اللهب من جديد ..

عدت إليه دون إرادتي ...

شيئا يجذبني نحوه اهو سحره الرائع

أم تلك العلاقة التي تربطني به

وكأنني رايته يتبسم بكل غرور وفرح

قائلا الم اقل سوف تعود ......

فتبسمت كابتسامة الطفل اليتيم الخائف

تلك البسمة الباردة المرتجفة الخائفة من المجهول المنتظر .....

فشدني إليه مرة أخرى قائلا تعال معي ..........

تعال ولن تندم !!

نعم استسلمت له وسلمت له أفكاري وذهبت معه .......

وإذا بي أعيش لحظات أيام وشهور

أيام ذكريات الحب

وأيام الوداع والصبر والهجران

وأيام العذاب والألم والحسرة

وأيام تكسرت فيها مجاديف الأمل بالحياة

وأيام ماتت بها ورود الفرح والسعادة

وزرعت مكانها شوك الحزن والتعاسة ...

كتبت قصتي عبر ذلك اللهيب المتوهج والجمر الساطع ...

وإذا بتك الدموع تنهمر

بقوة حسرتي وكأنها تنادي

وبصوت خافت مختنق بالأنين

تناشد ذلك اللهب بأن تطفئه بدموع وجنتي الحزينتين ...

وأهاتي تصرخ من أعماق قلبي المطعون

من ذلك الحب الدفين

فبكى الجمر بلهيبه وقال

لا تبكي فتلك الحبيبه لا تستحق... لا تستحق ......

شكراً أستاذ رائد على هذا الموضوع الرائع، ولكل منا رؤيته في الليل .. تتغير من وقت لآخر.

شكراً لك ........

غير معرف يقول...

اغنية الرائعة فيروز تقول
سكن الليل وفي ثوب السكون تختبئ الأحلام



واعتلى الطير أريكات الغصون يبعث الأنغام



فثوى السهد بأجفان الحزين وطوى أضلاعه الداء الدفين



واستهلت عبرات العاشقين



وسعى البدر وللبدر عيون ترصد الأيام



وتلقى من أحاديث الشجون ما يشيب الهام



يا ابنة الحقل هلمي لنزور كرمة العشاق



فتغطينا بأغصان الزهور وجني الأوراق



ادهقي الأقداح خمراً سلسلاً وانعشي قلب المشوق المبتلى



واشربي فالخمر تشفي العللا



علنا نطفئ بذياك العصير حرقة الأشواق



وعسى يحنو على قلبي الكسير قلبك الخفاق



واسمعي البلبل ما بين الحقول يسكب الألحان



رجّعت الحانه رحب السهول فانتشى القلبان



فاجلسي قربي على عشب البطاح وانصتي واستمعي أشجى الصداح



فصداح الطير مطلوق الجناح



في فضاء نفحت فيه التلول نسمة الريحان



ينعش الروح كما كأس الشمول تنعش الضمآن



لا تخافي يا فتاتي فالنجوم تكتم الأخبار



مثقلات بتباريح الهموم في هوى الأقمار



هائمات دون جدوى في السماء خافقات كقلوب في الفضاء



أو فؤادي عندما طال التنائي



وضباب الليل في تلك الكروم يحجب الأسرار



وعلى النبع بصمت ووجوم تثمل الأزهار



لا تخافي فعروس الجن في كهفها المسحور



يتسلى بكؤوس القرقف قلبها المأسور



هي تخشى فتكات المقلتين وبريقاً ساطعاً في الوجنتين



ابصريها هي من نبلة عين



وقعت سكرى وكادت تختفي عن عيون الحور



واذا الفجر انجلى وا أسفي تختفي في النور



ومليك الجن إن مرّ يروح والهوى يثنيه



واذا الورقاء في الليل تنوح نوحها يشجيه



عانقيني وامسحي دمع جفوني فمليك الجن في قيد الشجون



صامتاً منذهلاً دامي العيون



هو مثلي عاشق كيف يبوح بالذي يضنيه



وكلانا مستهام والجروح مثخنات فيه .

يا صديقي لطالما انت فى احتياج لقرب الاهل لانى اشعر بك الانسان فعلا وهو وحيد يكون كالمنبوذ يحتاج حتى الى صراخ طفل صغير يؤانسه / انس كل شئ واستدع احبابك فورا اليك وغير ايضا انت روتين الحياة المملل وحاول ان تقضي اجازة رائعة مع ولدك فهو نعم الصديق لك ولكن الجديد ان يري ولدك القاهرة ويزور معالمها جرب مش هاتخسر حاجة . ابو ادهم